ابقوا معنا دوما للوصول الى الجديد
حق الوالدين
يبكيك؟! قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، وأغلق أحدهما.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والسعيد من وُفق لبر والديه والإحسان إليهما، فإن في برهما خيري الدنيا والآخرة، والشقي من عقهما وخالف أمرهما وأغضبهما، وسيندم لامحالة في الدنيا أو الآخرة.
إن بر الوالدين دَين يجد وفاءه الإنسان، وكما تدين تدان، وإن من ثمراته العاجله أن يجد الإنسان ثمرة ذلك في أولاده فيبرُّه أولاده ويحسنوا إليه كما برَّ والديه وأحسن إليهما، وهذا أمرٌ مشاهد وإن لم يثبت بذلك حديث صحيح.
أيها الشاب المسلم الحبيب: اعلم أن برك بوالديك وطاعتك لهما عنوان رجولتك ودليل مرؤتك وأمارة نُبلك وسبب سعادتك في الدارين.
أخي الحبيب إن والديك هما سبب وجودك، وأرحم الناس بك، أقرب الناس إليك، يشقيان في هذه الحياة لتسعد، ويتعبان لتستريح، ويجوعان لتشبع، يعطيانك من غير منٍّ ولا أذى.
حملتك أمه في بطنها تسعة أشهر، ولاقت الشدائد في حملك ووضعك ثم صبرت على أذاك ومرضك تنظيفك في صغرك.
وهكذا أبوك فقد رباك وأنفق عليك وتعب في رعايتك صبياً ومراهقاً.
قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « إن لي أُماً بلغ منها الكِبَر أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية، فهل أديتُ حقها؟ قال: لا. لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءَك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك محسن، والله يثيب الكثير على القليل ».
أخي في الله، إياكَ إياك أن تقدم مصلحتك الشخصية أو رغباتِ أصدقائك، أو هوى زوجتك على رضا والديك، فإنهما أحقٌّ الناس بحسن صحبتك، فقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟! قال: « أمك »، قال: ثم من؟! قال: « أمك »، قال: ثم من؟! قال: « أمك »، قال: ثم من؟! قال: « أبوك ». متفق عليه.
احذر رعاك الله ممن يأمرك بعصيان والديك أو يهوُّن حقهما في نفسك أو يجرّئك على التقصير في حقهما أو يصوّر لك أنهما شيخان كبيران لايفهمان ولايقدّران الأمور، ولايعرفان مستجدات الحياة! فمثل هذا لاخير فيه ولا في صحبته. قال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: « لا تصحب عاقًّا لوالديه؛ فإنه لن يبرك وقد عق والديه ».
وإن من الخطأ الذي يقع فيه بعض الشباب الغفلةَ عن والديه والانشغال عنهما بدعوى طلب العلم أو حفظ القرآن أو الدعوة إلى الله، وهذا من تقديم المستحب على الواجب، وارتكاب المحظور من أجل تحصيل المندوب.
قال هشام بن حسان: قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: « تعشَّ العشاء مع أمك تقر به عينُها، فهو أحب إليّ من حجة تحجها تطوعًا ».
عقوق الوالدين أيها المسلمون من كبائر الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: » الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ » متفق عليه.
فعلى من ابتلي بذلك أن يبادر بالتوبة النصوح قبل أن يندم حين لا ينفع الندم.
ومما يجدر الإشادة به هناك ولله الحمد صورٌ مشرقة للبر في هذا الزمن فقد وُجِدَ من استقال أو تقاعد من وظيفته من أجل والديه، وهناك من قَسم ماله بينه وبين والديه، وهناك من تبرع بشيء من أعضائه لهما، وهناك من انتقل إلى بلد أخرى تلبية لرغبتهما، وهناك من ترك السفر والسياحة والنزهة من أجل ملازمتهما، والمبيت عندهما، فكيف يستكثر بعضُ الناس الجلوس معهما ساعة من نهار، أو صلتهما بجزء يسير من الراتب الشهري، او صحبتهما في زيارة قريب أو عيادة مريض، أو حضور جماعة.
فلنتقي الله ولا نفرط في هذا الباب العظيم من أبواب الخير والجنة، ولا تستكثروا ما تبذلونه لوالديكم من خدمة ورعاية ولا تمنوا عليهما.
ومن الناس من يأتي لوالده بخادم أو سائق ووالدته بخادمة ويظن أنه قام بالواجب وبرئت ذمته بذلك، وهذا خطأ فإن البر لا يفوّض ولا يباع ويشترى… نعم قد يكون الإتيان بالخدم للوالدين من البر ولكن لا يعني هذا أن يتنصل الأبناء والبنات من حقوقهما ويلقون بالمسؤولية كلها على خادم غريب يتولى جميع شؤنه حتى الذهاب به للمستشفى ومتابعة علاجه، كما هو مشاهد.
ومهما بلغ هذا الخادم لن يكون مثل الولد، يكفي أن الوالد أماً وأبا يأنس بمجرد رؤية ابنه وقربه، ويفرح بزيارته، ويطمئن إليه أكثر من غيره.
فبرُّ الوالدين لا ينقطع بموتهما -ولله الحمد- بل هو متصل بعد الموت، وذلك بالدعاء لهما، والصدقة عنهما، وصلة رحمهما، والإحسان إلى صديقهما، فقد أخرج الإمام أحمد من حديث مالك بن ربيعة الأسلمي قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: هل بقي عليّ من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟! قال: « نعم، خصالٌ أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما ».
وأخرج مسلم في صحيحه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- لَقِيَهُ رجل بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودًّا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « إن أبرّ البِرّ صلةُ الرجل أهل ود أبيه ».
ولعلَّ اجتهادك في برهما بعد موتهما يمحو تقصيرك في حقهما حال حياتهما، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » إِنَّ الْعَبْدَ لَيَمُوتُ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِنَّهُ لَهُمَا لَعَاقٌّ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو لَهُمَا، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمَا حَتَّى يَكْتُبَهُ اللهُ بَارًّا » أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
فعلى العبد أن يشرك والديه في دعائه، ولا يغفل عن الصدقة عنهما بعد موتهما، وصلة أرحامهما وأحبابهما، لعلَّ الله أن يتجاوز عن تقصيره في حقِّهما …د. بسام القواسمي ..جمعاً بتصرف، وتنزيل دلالات الأصول على الحديث.
إن من أكبر الحقوق على المسلم وأوجبها حقَ الوالدين، ولهذا قرنه سبحانه بحقه كما قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، بل أوصى جل جلاله بالإحسان إليهما وصحبتهما بالمعروف ولو كانا كافرين، ولكن لا يطيعهما في معصية الله والإشراك به كما قال سبحانه وتعالى ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 14، 15].
وكان من صفات أنبياء عليهم السلام الله التي مدحهم الله بها برُ الوالدين كما قال عن يحيى – عليه السلام – ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]. وقال سبحانه وتعالى عن عيسى – عليه السلام -: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32].
و المقصود ببر الوالدين هو الإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان قولاً وفعلاً، الإحسان بالكلام الطيب وخفض الصوت، والصلة المستمرة، والإحسان بالخدمة وبذل المال وقضاء الحوائج، والرّفق بهما بمراعاة المشاعر وجبر الخواطر، والبحث عن رضاهما وتحصيل محبوباتهما.
لقد وردتْ النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة مرغبةً في بر الوالدين محذرةً من عقوقهما، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24] ففي هذا الآية يأمر سبحانه وتعالى ويوصي بعد الأمر بعبادته والني عن الإشراك به ببر الوالدين والإحسان إليهما، وطيب الكلام معهما، خصوصاً حال الكِبر حيث يَضعف الوالدان ويحتاجان إلى مزيد عناية وخدمة، وقد يصدر منهما مالا يتوافق مع رغبة الابن، وينهى سبحانه عن نهرهما والإغلاظ عليهما حتى إنه سبحانه وتعالى نهى عن مجرد التَأفف لهما الذي علامة على عدم الرضا، ثم يرسم جلَّ وعلا صورةً بليغة للرفق بهما واللين معهما وهي خفض الجناح لهما، تشبيها بالطائر الذي يخفض جناحه لفراخه حنواً عليهما، ثم يأمر سبحانه وتعالى بالدعاء لهما جزاء ما قدموا للولد حال صغره من عناية وتربية.
كما وردت الأحاديث الكثيرة في فضل بر الوالدين وتحريم عقوقهما ومخالفة أمرهما حتى إن النبي – صلى الله عليه وسلم – جعل بر الوالدين مقدمًا على الجهاد في سبيل الله، كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه سأل النبي – صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟! قال: « الصلاة على وقتها »، فقلت: ثم أي؟! قال: « بر الوالدين »، قلت: ثم أي؟! قال: « الجهاد في سبيل الله »… وفي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: « أَحيٌ والدك؟ »، قال: نعم قال: « ففيهما فجاهد » متفق عليه… وفي رواية لمسلم: أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله – عز وجل -، قال: « فهل من والديك أحد حيٌّ؟ »، قال: نعم، بل كلاهما، قال: « فتبتغي الأجر من الله – عز وجل -؟ »، قال: نعم، قال: « فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ». أخرجه مسلم.
فهنا جعل النبي صلى الله عليه وسلم بِرَّ الوالدين من الجهاد، وأمر هذا الرجل بالرجوع إليهما وترك جهاد التطوّع.
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدرِي رضي الله عنه »أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إِلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنَ اليَمَنِ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟»، قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: «أَذِنَا لَكَ؟» قَالَ: «لَا»، قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا ». أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبَّان والحاكم.
وفي هذا الحديث وجوب استئذان الوالدين حتى في الخروج للجهاد في سبيل الله، فكيف بغيره.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف»، قيل: من؟ يا رسول الله قال: «من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».
وفي سنن النسائي أَنَّ جَاهِمَةَ السلمي جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يا رسول الله: أردت الغزو، وجئتك أستشيرك، فقال: « هل لك من أم؟! »، قال: نعم، فقال: « الزمها؛ فإن الجنة تحت رجليها ».